فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ}.
جمع ثقل وهو متاعُ المسافر، وقيل: أثقالكم أجرامكم {إلى بَلَدٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أريد به اليمنُ ومصرُ والشامُ، ولعله نظر إلى أنها متاجرُ أهل مكة، وقال عكرمةَ: أريد به مكةُ، ولعله نظر إلى أن أثقالَهم وأحمالهم عند القُفول من متاجرهم أكثرُ، وحاجتُهم إلى الحمولة أمسُّ، والظاهرُ أنه عام لكل بلد سحيق {لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه} واصلين إليه بأنفسكم مجردين عن الأثقال لولا الإبل {إِلاَّ بِشِقّ الأنفس} فضلًا عن استصحابها معكم، وقرئ بفتح الشين وهما لغتان بمعنى الكُلفة والمشقة، وقيل: المفتوحُ مصدرٌ من شق الأمرُ عليه شقًا، وحقيقتُه راجعة إلى الشِق الذي هو الصَّدْع والمكسورُ النصفِ كأنه يُذهب نصفَ القوة لما يناله من الجهد، فالإضافة إلى الأنفس مجازيةٌ، أو على تقدير مضاف أي إلا بشق قُوى الأنفس، وهو استثناء مفرّغٌ من أعم الأشياء أي لم تكونوا بالغيه بشيء من الأشياء إلا بشق الأنفس، ولعل تغييرَ النظم الكريم السابقِ الدال على كون الأنعامِ مدار للنعم السابقة إلى الجملة الفعلية المفيدة لمجرد الحدوث للإشعار بأن هذه النعمةَ ليست في العموم بحسب المنشأ وبحسب المتعلق، وفي الشمول للأوقات والاطّراد في الأحيان المعهودة بمثابة النعمِ السالفة فإنها بحسب المنشأ وخاصةٌ بالإبل وبحسب المتعلق بالضاربين في الأرض المتقلبين فيها للتجارة وغيرِها في أحايينَ غيرِ مطّردة، وأما سائرُ النعم المعدودةِ فموجودةٌ في جميع أصناف الأنعامِ وعامةٌ لكافة المخاطبين دائمًا، أو في عامة الأوقات {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ولذلك أسبغ عليكم هذه النعمَ الجليلةَ ويسّر لكم الأمورَ الشاقة.
{والخيل} هو اسمُ جنس للفرس لا واحد له من لفظه، كالإبل وهو عطفٌ على الأنعام أي خلق الخيل {والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا} تعليلٌ بمعظم منافعها وإلا فالانتفاعُ بها بالحمل أيضًا مما لا ريب في تحققه {وَزِينَةٌ} عطفٌ على محل لتركبوها، وتجريدُه عن اللام لكونه فعلًا لفاعل الفعل المعلل دون الأولِ، وتأخيرُه لكون الركوبِ أهمَّ منه، أو مصدرٌ لفعل محذوفٍ، أي وتتزيّنوا بها زينةً، وقرئ بغير واو أي خلقها زينةً لتركبوها، ويجوز أن يكون مصدرًا واقعًا موقعَ الحال من فاعل تركبوها أو مفعولِه أي متزيّنين بها {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي يخلق في الدنيا غيرَ ما عُدد من أصناف النعم فيكم ولكم ما لا تعلمون كنهَه وكيفيةَ خلقِه، فالعدولُ إلى صيغة الاستقبال للدِلالة على الاستمرار والتجددِ أو لاستحضار الصورة، أو يخلق لكم في الجنة غيرَ ما ذكر من النعم الدنيوية ما لا تعلمون أي ما ليس من شأنكم أن تعلموه، وهو ما أشير إليه بقوله عليه الصلاة والسلام حكاية عن الله تعالى: «أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعت ولا خطَر على قلب بشر» ويجوز أن يكون هذا إخبارًا بأنه سبحانه يخلق من الخلائق ما لا علمَ لنا به دَلالةً على قدرته الباهرة الموجبةِ للتوحيد كنعمته الباطنة والظاهرة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عن يمين العرش نهرًا من نور مثلَ السمواتِ السبع والأرضين السبع والبحارِ السبعة، يدخل فيه جبريلُ عليه السلام كل سَحَر فيغتسل فيزداد نورًا إلى نور وجمالًا إلى جمال وعِظمًا إلى عظم، ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألفَ ملَك، فيدخل منهم كل يوم سبعون ألفَ ملكٍ البيتَ المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون إليه إلا يوم القيامة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أي أحمالكم الثقيلة جمع ثقل، وقيل: أجسامكم كما قيل في قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2]. حيث فسرت الأثقال فيه بأجسام بني آدم.
{إلى بَلَدٍ} روى عن ابن عباس أنه اليمن والشام ومصر وكأنه نظر إلى أنها متاجر أهل مكة كما يؤذن به ما في تفسير الخازن عنه رضي الله تعالى عنه من أنه قال: يريد من مكة إلى اليمن وإلى الشام، وفي رواية أخرى عنه وعن الربيع بن أنس وعكرمة أنه مكة وكأنهم نظروا إلى أن أثقالهم وأحمالهم عند القفول من متاجرهم أكثر وحاجتهم إلى الحمولة أمس، والظاهر أنه عام لكل بلد سحيق وإلى ذلك ذهب أبو حيان، وجعل ما ورد من التعيين كالمذكور وكالذي نقله عن بعضهم من أنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم محمولًا على التمثيل لا على أن المراد ذلك المعين دون غيره {لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه} واصلين إليه بأنفسكم مجردين عن الاقفال فضلًا عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم لو لم تكن الأنعام ولم تخلق {إِلاَّ بِشِقّ الأنفس} أي مشقتها وتعبها، وقيل: المعنى لم تكونوا بالغيه بها إلا بما ذكر وحذف بها لأن المسافر لابد له من الأثقال، والمراد التنبيه على بعد البلد وأنه مع الاستعانة بها يحمل الأثقال لا تصلون إليه إلا بالمشقة، ولا يخفى أن الأول أبلغ، وقرأ مجاهد، والأعرج، وأبو جعفر، وعمرو بن معين، وابن أرقم {بِشِقّ} بفتح الشين وروى ذلك عن نافع وأبي عمر ووكلا ذلك لغة، والمعنى ما تقدم، وقيل: الشق بالفتح المصدر وبالكسر الاسم يعني المشقة وعلى الكسر بهذا المعنى جاء قوله:
وذي ابل يسعى ويحسبها له ** أخى نصب من شقها ودءوب

فإنه أراد من مشقتها، وعن الفراء أن المفتوح مصدر من شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع والمكسور النصف يقال: أخذت شق الشاة أي نصفها، وجاء «اتقوا النار ولو بشق تمرة» والمعنى إلا بذهاب نصف الأنفس كأن الأنفس تذوب تعبًا ونصبًا لما ينالها من المشقة كما يقال لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك أو قطعة من كبدك وهو من المجاز، وجوز بعضهم أن يكون على تقدير مضاف أي الابشق قوى الأنفس، والاستثناء مفرغ أي لم تكونوا {بالغيه} بشيء من الأشياء إلا بشق الأنفس، وجعل أبو البقاء الجار والمجرور في موضع الحال من الضمير المرفوع في {بالغيه} أي مشقوقًا عليكم وضمير {تحمل} للأنعام إلا أن الحمل المذكور باعتبار بعض أنواعها وهي الإبل ومثله كثير، ومن هنا يظهر ضعف استدلال بعضهم بهذا الإسناد على أن المراد بالانعام فيما مر الإبل فقط، وتغيير النظم الكريم السابق الدال على كون الأنعام مدار للنعم إلى الفعلية المفيدة للحدوث قيل لعله للاشعار بأن هذه النعمة ليست في العموم بحسب المنشأ وبحسب المتعلق وفي الشمول للأوقات والاطراد في الأحيان المعهودة بمثابة النعم السالفة فإنها بحسب المنشأ خاصة كما سمعت بالإبل وبحسب المتعلق بالمتقلبين في الأرض للتجارة وغيرها في أحايين غير مطردة، وأما سائر النعم المعدودة فموجودة في جميع الأصناف وعامة لكافة المخاطبين دائمًا وفي عامة الأوقات. اهـ.
واحتج كما قال الإمام منكر وكرامات الأولياء بهذه الآية لأنها تدل على أن الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى آخر إلا بشق الأنفس وحمل الأثقال على الجمال.
ومثبتو الكرامات يقولون: إن الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى آخر بعيد في زمان قليل من غير تعب وتحمل مشقة فكان ذلك على خلاف الآية فيكون باطلًا وإذا بطلت في هذه الصورة بطلت في الجميع إذ لا قائل بالفرق.
وأجاب بأنا تخصص عموم الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرامات اه، ولعل القائلين بعدم ثبوت طي المسافة للأولياء يستندون إلى هذه الآية لكن هؤلاء لا ينفون الكرامات مطلقًا فلا يصح قوله إذ لا قائل بالفرق، ومن أنصف علم أن الاستدلال بها على هذا المطلب مما لا يكاد يلتفت إليه بناء على أنها مسوقة للامتنان ويكفي فيه وجود هذا في أكثر الأحايين لأكثر الناس فافهم {إنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤوفٌ رَحيمٌ} ولذلك أسبغ عليكم النعم الجليلة ويسر لكم الأمور الشاقة العسيرة.
{والخيل} هو كما قال غير واحد اسم جنس للفرس لا واحد له من لفظه كالإبل، وذكر الراغب أنه في الأصل يطلق على الافراس والفرسان، وهو عطف على {الأنعام} [النحل: 5]. أي وخلق الخيل {والبغال} جمع بغل معروف {والحمير} جمع حمار كذلك ويجمع في القلة على أحمرة وفي الكثرة على حمر وهو القياس، وقرأ ابن أبي عبلة برفع {الخيل} وما عطف عليه {لِتَرْكَبُوهَا} تعليل لخلق المذكورات، والكلام في تعليل أفعال الله تعالى مبسوط في الكلام {وَزِينَةٌ} عطف على محل {لِتَرْكَبُوهَا} فهو مثله مفعول لأجله وتجريده عن اللام دونه لأن الزينة فعل الزاين وهو الخالق تعالى ففاعل الفعلين المعلل والمعلل به واحد بخلاف فاعل الركوب وفاعل المعلل به فشرط النصب الذي اشترطه من اشترطه موجود في المعطوف دون المعطوف عليه قاله غير واحد، وذكر بعض المدققين أن في عدم مجيئها على سنن واحد دلالة على أن المقصود الأصلي الأول فجيء بالحروف الموضوعة لذلك وسيق الخطاب وأعيد الضمير للثلاثة في {لِتَرْكَبُوهَا} وجيء بالثاني تتميًا ودلالة على أنه لما كان من مقاصدهم عد في معرض الامتنان وإلا فليس التزين بالعرض الزائل مما يقصده أهل الله تعالى وهم أهل الخطاب بالقصد الأول واعترض ما تقدم بأنه وان ثبت اتحاد الفاعل لكن لم تتم به شروط صحة النصب لفقد شرط آخر منها وهو المقارنة في الوجود فإن الخلق متقدم على الزينة.
وأجيب بأن ذلك على إرادة إرادة الزينة كما قيل في ضربت زيدًا تأديبًا أن التأديب بتأويل إرادته، وجوز أبو البقاء كون {زِينَةُ} مصدرًا لفعل محذوف أي ولتتزينوا بها زينة، وقال ابن عطية إنه مفعول به لفعل محذوف أي وجعلها زينة، وروي قتادة عن ابن عباس أنه قرأ: {لِتَرْكَبُوهَا زِينَةُ} بغير واو، قال صاحب اللوامح: إن {زِينَةُ} حينئذ نصب على الحال من الضمير في {خَلَقَهَا} [النحل: 5]. أو من الضمير في {لتركبوها} ولم يعين الضمير وعينه ابن عطية فقال هو المنصوب، وقال غير واحد تجوز الحالية من كل من الضميرين أي لتركبوها متزينين أو متزينا بها، وقال الزمخشري بعد حكاية القراءة: أي خلقها زينة لتركبوها، ومراده على ما قيل أن الزينة إما ثاني مفعول خلق على إجرائه مجرى جعل أو هو حال عن المفعولات الثلاثة على الجمع، وجوز كونه مفعولًا له {لِتَرْكَبُوهَا} وهو بمعنى التزين فلا يرد عليه اختلاف فاعل الفعلين؛ قيل: وأما لزوم تخصيص الركوب المطلوب بكونه لأجل الزينة وكون الحكمة في خلقها ذلك وكون ذلك هو المقصود الأصلي لنا فلا ضير فيه لأن التجمل بالملابس والمراكب لا مانع منه شرعًا وهو لا ينافي أن يكون لخقلها حكم أهم كالجهاد عليها وسفر الطاعات، وإنما خص لمناسبته لمقام الامتنان مع أن الزينة على ما قال الراغب ما لا يشين في الدنيا ولا في الآخرة، وأما ما يزين في حالة دون أخرى فهو من وجه شين اه فتأمل ولا تغفل.
واستدل بالآية على حرمة أكل لحوم المذكورات لأن السوق في معرض الاستدلال بخلق هذه النعم منة على هذا النوع دلالة على التوحيد وسوء صنيع من يقابلها بالإشراك والحكيم لا يمن بأدنى النعمتين تاركًا أعلاهما، كيف وقد ذكر أماما.
وروى ابن جرير وغيره القول بكراهة أكل لحوم الخيل لهذه الآية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وروى عن أبي حنيفة عليه الرحمة أنه قال: رخص بعض العلماء في لحم الخيل فأما أنا فلا يعجبني أكله، وفي رواية أخرى أنه قال أكرهه والأولى تلوح إلى قوله بكراهة التنزيه والثانية تدل على الترحيم بناء على ما روي عن أبي يوسف أنه سأله إذا قلت: في شيء أكرهه فما رأيك فيه؟ فقال: التحريم، وكأنه لهذا قال صاحب الهداية الأصح أن كراهة أكل لحمها تحريمية عند الإمام، وفي العمادية أنه رضي الله تعالى عنه رجع عن القول بالكراهة قبل موته بثلاثة أيام وعليه الفتوى، وقال صاحباه والإمام الشافعي رضي الله تعالى عنهم: لا بأس بأكل لحوم الخيل.
وأجاب بعض الشافعية عن الاستدلال بالآية بمنع كون المذكور أدنى النعمتين بالنسبة إلى الخيل قال: وذلك لأن الآية وردت للامتنان عليهم على نحو ما ألفوه، ولا ينكر ذو أرب أن معظم الغرض من الخيل الركوب والزينة لا الأكل بخلاف النعم، وذكر أغلب المنفعتين وترك أدناهما ليس بدعا بل هو دأب اختصارات القررن، وذكره في الأول أن لم يصر حجة لنا في الاكتفاء مع التنبيه على أنه نزر في المقابل فلا يصير حجة علينا، فظهر أنه لا استدلال لا من عبارة الآية ولا من إشارتها.
واستدلوا على الحل بما صح من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية والبغال وأذن عليه الصلاة والسلام في لحم الخيل يوم خيبر، وفيه دليل عندهم على أن الآية لا تدل على الترحيم فادته أن تحريم لحوم الحمر الأهلية إنما وقع عام خيبر كما هو الثابت عند أكثر المحدثين وهذه السورة مكية فلو علم التحريم مما فيها كان ثابتًا قبله، وبحث فيه بأن السورة وان كانت مكية يجوز كون هذه الآية مدنية، وفيه أن مثل ذلك يحتاج إلى الرواية ومجرد الجواز لا يكفي، وعورض حديث جابر بما أخرجه أبو عبيد وأبو داود والنسائي وابن المنذر عن خالد بن الوليد قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن لحوم الخيل والبغال والحمير».
والترجيح كما قال في الهداية للمحرم، لكن أنت تعلم أن هذا الخبر يوهى أمر الاستدلال بالآية لما أن خالدًا قد أسلم بالمدينة والآية مكية فلو كان التحريم معلومًا منها لما كان للنهي الذي سمعه كثير فائدة، والجملة الاستدلال بالآية على حرمة لحوم الخيل لا يسلم من العثار فلابد من الرجوع في ذلك إلى الاخبار والحكم عند تعارضها لا يخفى على ذوي الاستبصار، والذي أميل إليه الحل والله تعالى أعلم {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي ويخلق غير ذلك الذي فصله سبحانه لكم، والتعبير عنه بما ذكر لأن مجموعة غير معلوم ولا يكاد يكون معلومًا فالكلام إجمالًا لما عدا الحيوانات المحتاج غالبًا احتياجًا ضروريًا أو غير ضروري، والعدول إلى صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار والتجدد أو لاستحضار الصورة، ويجوز أن يكون إخبارًا منه تعالى بأن له سبحانه ما لا علم لنا به من الخلائق {فَمَا لاَ تَعْلَمُونَ} على ظاهره، فقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما خلق الله تعالى لأرضا لؤلؤة بيضاء مسيرة ألف عام عليها جبل من ياقوتة حمراء محدق بها في تلك الأرض ملك قد ملأشرقها وغربها له ستمائة رأس في كل رأس ستمائة وجه في كل وجه ستمائة ألف وستون ألف فم في كل فم ستون ألف لسان يثنى على الله تعالى ويقدسه ويهلله ويكبره بكل لسان ستمائة ألف وستين ألف مرة فإذا كان يوم القيامة نظر إلى عظمة الله تعالى فيقول: وعزتك ما عبدتك حق عبادتك» فذلك قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وفي رواية أخرى عنه أن عن يمين العرش نهرًا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبع يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر فيغتسل فيزداد جمالًا إلى جماله وعظمًا إلى عظمه ثم ينتقض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون إلى يوم القيامة.
وروى هذا أيضًا عن الضحاك ومقاتل وعطاء، ومما لا نعلمه أرض السمسمة التي ذكر عنها الشيخ الأكبر قدس سره ما ذكر، وجابرصا وجابلقا حسبما ذكر غير واحد، وان زعمت ذلك من الخرافات كالذي ذكره عصرينا رئيس الطائفة الذين سموا أنفسهم بالكشفية ودعاهم أعداؤهم من الإمامية بالكفشية في غالب كتبه مما تضحك منه لعمر أبيك الثكلى ويتمنى العالم عند سماعه لمزيد حيائه من الجهلة نزوله إلى الأرض السفلى فاقنع بما جاء في الآثار، ولا يثنينك عنه شبه الفلاسفة إذا صح سنده فانها كسراب بقيعة، والذي أظنه أنه ليس أحد من الكفار فضلًا عن المؤمنين يشك في أن لله تعالى خلقًا لا نعلمهم ليحتاج إلى إيراد الشواهد على ذلك، ويجوز أن يكون المراد بهذا الخلق الخلق في الجنة أي ويخلق في الجنة غير ما ذكر من النعم الدنيوية ما لا تعلمون أي ما ليس من شأنكم أن تعلموه، وهو ما أشير إليه بقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». اهـ.